دخلت وزارة الشؤون الاجتماعية بعلم أو بغير علم طرفاً في عملية نصب واحتيال طالت هذه المرة 3 جمعيات خيرية بعدما أوعزت لها بالمساهمة بملايين الريالات في شركتي أسمنت وجبس (تحتفظ “الوطن” باسميهما)، عبر وسيط بين هذه الجمعيات والشركتين، فيما لا تزال قضية استرداد الملايين التي تطوع المحامي محمد الجذلاني برفعها للدائرة التجارية الخامسة بديوان المظالم بالرياض لاسترجاعها تترنح منذ عام في أروقة المحكمة.
وبحسب “خطاب” فإن تلك الجمعيات ساهمت بملايين الريالات في تلك الشركتين قبل أن تكتشف أنها لم تكن حاصلة على التراخيص المطلوبة، وحينما استنجدت بالرجوع لوزارة الشؤون الاجتماعية التي شجعتها على المساهمة في شركات غير موثوقة، رفعت الأخيرة الأمر لوزارة التجارة التي وجهت بدورها المتضررين للقضاء، وذلك بحسب “خطاب” آخر حصلت عليه “الوطن” موقع من وكيل الوزارة للتجارة الداخلية حسان بن فضل عقيل.
وحصلت الصحيفة على حزمة من المراسلات الموجهة من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى الجمعيات والتعميمات كانت إحداها بتوقيع مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة الدكتور علي بن سليمان الحناكي تضمنت في نصوصها أن المساهمة في تلك الشركات تعد فرصة استثمارية للجمعيات والمؤسسات الخيرية وما عليها إلا امتلاك أسهم في الشركات المقفلة حاليا والتي ستطرح للاكتتاب العام خلال السنتين القادمتين.
وأبرزت الخطابات اسم شركة “وساطة” (تحتفظ “الوطن” باسمها) التي قالت إنها تعرض فرصة استثمارية لامتلاك أسهم في الشركات المقفلة حاليا، بحد أدنى للاكتتاب هو 100 ألف سهم للشركة الأولى و500 ألف سهم للشركة الثانية، بسعر13 ريالا للسهم الواحد، على أن يتم دفع ما نسبته 25% من قيمة السهم بالإضافة إلى قيمة التطوير البالغة 3 ريالات.
ويقول المحامي محمد الجذلاني إن القضية بدأت منذ نحو خمس سنوات “عام 1429هـ” حينما تلقت الجمعيات خطابات من مسؤوليها في وزارة الشؤون الإجتماعية كل حسب منطقته تشجعهم على المشاركة في الشركات المذكورة دون أن تتحقق من وضعها القانوني، في حين أنه كان يجب توجيه الجمعيات للمساهمة في شركات قائمة وليست تحت التأسيس.
ويضيف المحامي أن الجمعيات اكتشفت فيما بعد أن هذه الشركات لم تحصل على تراخيص من وزارة البترول لإنتاج الأسمنت، إلا أنها رغم ذلك استمرت في التغرير بالجمعيات الخيرية، وتابع “للأسف هذه الشركات قامت بتغيير نشاطها وخفض رأس المال دون الرجوع للجمعيات .. بل لم تذكر الجمعيات كمساهمين مؤسسين”، قبل أن تعترف الشركة بخطاب لها – حصلت “الوطن” على نسخة منه بأنها لم تدرج أسماء المساهمين بالسجل وأنها غيرت رأس مال الشركة لأنها لا تستطيع إنتاج الأسمنت لعدم وجود محجر.
ويستطرد المحامي الجذلاني إلى أنه رفع دعوى للدائرة التجارية الخامسة بديوان المظالم في الرياض منذ عام، ولكن القضية لا تزال ضائعة في أروقة المحاكم، إذ يفصل بين كل جلسة وأخرى نحو 5 أشهر وبعدد جلسات لم تتجاوز الخمس، مشيراً إلى أن العديد من الجمعيات الخيرية قامت بالمساهمة في شركة الأسمنت، إلا أن ثلاثة من تلك الجمعيات قدمت دعوى عن طريق مكتبه للمحاماة وهي الجمعية الخيرية في البديع بمدينة الأفلاج، والجمعية الخيرية في السليل بوادي الدواسر، والجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج بجدة.
ويبيّن أن شركة الأسمنت وقعت في العديد من المخالفات منها التغرير بالجمعيات الخيرية، وذلك بأخذ أموالهم مقابل اتفاق على إدخالها كشريك مؤسس بالشركة، ولكنها قامت بإدراجها كمساهمين بشكل غير نظامي فيها وهو ما لم يتفق عليه، إضافة إلى مخالفتها للنظام بقيامها بإصدار “شهادة مساهم” دون أن تذكر فيها أسماء الجمعيات كمساهمين مؤسسين لها، على الرغم من أنها أوفت بتعهدها بحصصها في الشركة قبل ثلاث سنوات من تأسيس الشركة، فضلاً عن وجود ملخص عقد شراكة لا يحتوي على أسماء الجمعيات، إلى جانب تخفيض رأس مال الشركة من المليار و200 مليون ريال إلى 800 مليون ريال وتغيير نشاطها دون العودة أو موافقة الشركاء المؤسسين وهم الجمعيات.
ويطالب المحامي الجذلاني بضرورة إلغاء جميع آثار هذا العقد لمخالفته الأركان الواجب الالتزام بها والتغرير بالمساهمين ومخالفته لشرع ونظام التأسيس، إلى جانب إلزام شركة الأسمنت بإعادة المبالغ التي استلمتها من الجمعيات، داعياً هيئة مكافحة الفساد إلى التحقيق في هذه القضية، وبيّن أن المحكمة طلبت منه الفصل بين قضية الشركتين – شركة الأسمنت والشركة التسويقية – والأخيرة كان لها دور في الوساطة بين الجمعيات والمؤسسات الخيرية وشركة الأسمنت واكتشفت فيما بعد أنها شركة وهمية لم يجدوا لها أثراً حتى الآن رغم البحث عنها مؤخراً”.
وحصلت “الوطن” على الدعوى المرفوعة ضد الشركتين ويطالب خلالها المحامي الجزلاني بإبطال العقود واستعادة المبالغ المدفوعة من قبل الجمعيات بناء على نص النظام فيها.
وفي رد لوزارة الشؤون الاجتماعية، أوضح المتحدث الرسمي لها خالد الثبيتي أن الوزارة لا تجبر الجمعيات الخيرية على المساهمة في الشركات الاستثمارية وأنها تركت لها حرية القرار فيها، مشيراً إلى أن موقف الوزارة داعم ومساعد للجمعيات لاسترداد حقوقها بحكم أنها الجهة الحكومية المشرفة عليها.
وبيّن أن الجمعيات الخيرية تعتبر جهات أهلية ذات شخصية اعتبارية مستقلة إدارياً ومالياً وأن جمعياتها العمومية ومجالس إداراتها مخولة في اتخاذ قرارات تتعلق باستثماراتها، خصوصاً أن الجمعيات الخيرية تسعى إلى التنوع في استثماراتها ومنحها النظام الحق في استثمار أموالها التي تزيد عن احتياجها في أنشطة يكون لها عائد مالي يساعدها على تحقيق أهدافها ويحقق لها الاستدامة المالية.
وأضاف الثبيتي أن العديد من المشاريع الاستثمارية ترد للوزارة وتقوم بدورها بإحالة ما يمكن للجمعيات الخيرية المشاركة فيها لدراسة مدى جدواها الاقتصادية ومن ثم تقرر الدخول في هذه الاستثمارات بناء على نتيجة دراستها وقناعتها بجدوى مثل هذه المشاريع الاستثمارية، مضيفاً أن غالبية الجمعيات تتجه للاستثمار في المجال العقاري من خلال الأوقاف باعتبار أنها استثمار آمن، كما أنه سبق للوزارة أن نسقت مع هيئة السوق المالية لإتاحة الفرصة للجمعيات للاكتتاب في الشركات المطروحة وقد استفادت من الاكتتاب في بنك الإنماء عند تأسيسه.