رغم المخاطر والتحديات التي واجهتها، تميّزت رحلة المكوك “ديسكفري” إلى الفضاء عام 1985م والتي كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز أحد روادها، بأنها من بين أفضل الرحلات والتجارب الفضائية المنفذة على مستوى العالم، لا سيما وأن الرحلة نجحت في إنجاز مهامها بدقة، وتجاوزت جميع المخاطر بسلام، وهبط المكوك على الأرض ليُعلن من فوره بدء احتفالات المملكة بأميرها كأول رجل فضاء عربي مسلم يخوض مثل هذه التجربة.
فكل مركبة سواء كانت على الأرض أو في الماء أو في الجو لها مخاطرها المختلفة، وبدرجات متفاوتة، وهذا ما يجعل المركبات الفضائية عُرضة للمخاطر والحوادث أكثر من غيرها، خاصة إذا علمنا أن نسبة الحوادث على المركبات الفضائية بلغت نحو 33% عام 2010م، وذلك بعد تحطم مركبتي “تشالنجر” عام 1986م، و”كولومبيا” عام 2003م.
ومن المعروف أن الرحلات الفضائية والمكوكية تعتبر من أكثر المجالات تعقيداً في عالم الطيران، فبالإضافة إلى التدريبات الجسدية وتدريبات التحمل القاسية التي ينبغي أن يخضع إليها رواد الفضاء قبل رحلتهم، تواجه المركبات الفضائية أكثر من 10 مخاطر حقيقية خلال رحلاتها، من بيئات مناخية متغيرة، وفروقات حرارية شديدة التباين، فضلاً عن عوامل الدفع والسرعة والجاذبية والصعود والهبوط وغيرها من المخاطر التي سنسردها سريعا فيما يلي:
معدلات التسارع
تتسارع المركبات الفضائية بمعدلات هائلة وخطرة لا تحتمل التصحيح، خاصة إذا ما كانت خارجة عن النطاق المسموح به، سواء كان ذلك في التسارع أو التباطؤ، حيث يتسارع المكوك من الصفر إلى أكثر من 28 ألف كيلو متر في الساعة خلال 500 ثانية تقريباً، فيما يتباطأ من سرعته القصوى إلى سرعة صفر خلال 45 دقيقة فقط.
السرعة والدفع العالي
لكي تهرب المركبات من قوة الجاذبية، تحتاج إلى أن تصل إلى سرعة تفوق الـ 28 ألف كيلو متر في الساعة، بما يعادل 8 كيلو متر في الثانية الواحدة، أي ما يغطي المسافة بين الرياض ومكة المكرمة خلال أقل من دقيقتين، ولو ازدادت السرعة أكثر من ذلك بكثير فستخرج المركبات من المدار الأرضي وتنطلق نحو الفضاء الخارجي، وبالتالي ينبغي على المركبة الحفاظ على سرعة محددة للحفاظ على مدارها ولكيلا تتسبب السرعة الهائلة في دمارها.
كما تعتبر قوة دفع المحركات الصاروخية الثلاثة في المركبة هي الأكثر قوة بالنسبة إلى وزنها، حيث تقاس قوة دفع المحركات بما يعادل مئات الآلاف من الأحصنة، ومن ثم من الصعب التحكم فيها، وأما المحركات الصاروخية الداعمة ذات الوقود الصلب فهي لا تحتمل تغيرات في قوتها، فمنذ لحظة تشغيلها تنطلق بكامل قوة الدفع وتستمر في العطاء بقوة 100% إلى أن ينفذ وقودها، ولا يمكن تخفيض قوتها إو إطفاؤها، ولذا ففي حالات الطوارئ تصبح من المخاطر الكبرى على (رصة) المكوك.
درجات الحرارة داخل المحركات
هناك جانبان متناقضان يعملان معاً داخل المحركات، فمن جانب تتولد درجات حرارة عالية جداً تصل إلى ما يفوق درجة انصهار الحديد (3.300 درجة مئوية)، ومن جانب آخر تنخفض درجة الوقود والخطوط الحاملة له من خزان الوقود إلى المحركات إلى أقل من 234 درجة مئوية تحت الصفر، وهذا التباين الهائل في درجات الحرارة يجعل المخاطر تزيد بشكل كبير، لذا يخضع تصميم المحركات لتكوين مناطق ذات انصهار مبرمج، لحماية الأسطح التي تتعرض للحرارة الشديدة المدمرة.
درجات الحرارة على السطح
تتعرض أسطح المركبات الفضائية إلى الاحتكاك الهوائي أثناء مسارها داخل الغلاف الجوي، ما يولد درجة حرارة مرتفعة جداً تفوق 1.650 درجة مئوية، وكما هو معروف فإن هيكل المركبات مكون غالباً من مادة الألومنيوم التي لا تستطيع مقاومة هذه الحرارة الهائلة، فتُستخدم الألواح العازلة للحرارة، ولو تغلغلت الطاقة الحرارية الهائلة من منافذ إحدى تلك الألواح فستتعرض المركبة لكارثة، وهذا ما حدث لرحلة كولومبيا عام 2003م.
بيئة العمل الصعبة
يتعرض رواد الفضاء لبيئات عمل تتسبب في انتفاخ أجسادهم وفقدان الكالسيوم في العظام، واضطرابات معوية، وتورم في الأغشية المخاطية بسبب بيئة الجاذبية المنخفضة التي يعيشونها في الفضاء وانعدام التوازن.
متطلبات الحياة
فالمتطلبات الأساسية للحياة من هواء وماء ودفء يتم توليده ذاتياً داخل المركبة، كما أن الفراغ الذي يعمل بداخله الرواد محدود، فتصعب الحركة، وبالتالي تصعب القدرة على التمتع بدورة دموية نشطة، وكذلك فإن الأنشطة العادية مثل بلع الماء والطعام يُصبح صعب جداً.
أنواع الوقود وكميته
إن الوقود الصلب داخل الصاروخين الداعمين للإطلاق هو من أسرع أنواع الوقود في الاحتراق، فيتطلب نحو سدس ثانية للاشتعال داخل جسم الصاروخين، ثم بعد ذلك يشتعل بمعدل 10 آلاف كيلو جرام في الثانية الواحدة لكليهما، وعندما يبدأ الاشتعال فلا يمكن تخفيض حدته أو إغلاقه، وأما الوقود السائل الذي يُغذي المحركات الثلاثة الرئيسية فهو أيضاً سريع الاشتعال، ولكن بمعدل أقل وبدرجة تحكم أكبر، وتشكل كمية الوقود أكثر من 80% من إجمالي وزن المركبة عند إطلاقها، ويصبح المكوك أشبه بالصهريج العملاق للوقود والذي يخمل أكثر من مليون جرام من المواد الشديدة الاشتعال.
المخاطر الاشعاعية
هناك ظاهرة إشعاعية مغناطيسية تحيط بالكرة الأرضية على مسافات تتراوح بين 100 كيلو متر و 10 آلاف متر، اكتشفه العالم الأمريكي “جيمس فان آلاف” في كالفورنيا عام 1958م، وخطورته تكمن في تأثيراته على الأجهزة الالكترونية والدوائر الكهربائية المختلفة، وقد تعرض العديد من الأقمار الصناعية التي حملتها مهمات مكوكية إلى أخطار هذه الاشعاعات، كما في تلسكوب “هابل” الفضائي، وتتم حماية المعدات الحساسة بعزلها بطبقة من الألمنيوم بسماكة تصل إلى 3 ملمترات، وأما مخاطر هذه الاشعاعات على الرواد أنفسهم فلم يتم التعرف عليها بالكامل.
مخاطر أخرى
كما توجد مجموعات أخرى من المخاطر المتوسطة والطويلة الأمد، والمعنية في صحة رواد الفضاء مثل ضمور العضلات، ووهن العظام، والتأثيرات في الدورة الدموية، وتجمع السوائل في مناطق معينة من الجسم، وهو ما يسبب انتفاخات في مختلف أنحاء الجسم، إضافة إلى مشاكل في الأجهزة الهضمية للرواد.