تجري حاليا على قدم وساق إعادة تصحيح أوضاع العمالة الأجنبية المخالفة لنظام العمل والعمال بالمملكة، والتي تعتبر بمثابة العملية الجراحية الأكبر في تاريخ سوق العمل السعودي منذ تكوينه بهذا الشكل.. ولعل الضغط الهائل والكثيف على التصاديق بالغرف التجارية ومكاتب العمل والجوازات يبرز مدى ضخامة هذه العملية ..
والتي من المتوقع أن تتجاوز3 ملايين عامل أجنبي .. وهو ما يجعل التقديرات التي أطلقت حول حجم العمالة الأجنبية الحقيقي والتي تفوق كثيرا التقديرات الرسمية أكثر قرباً للواقع .. لأنه بكل بساطة التقديرات الرسمية كانت ترتكز على العمالة النظامية.
وحتى الآن لم ترصد التقارير بما يكفي حجم التأثيرات الاقتصادية لهذا التصحيح .. فهذا التصحيح سيترتب عليه تغيرات هيكلية في سوق العمل السعودي، يأتي على رأسها خلو بعض المهن بشكل كلي من العمالة الأجنبية، وبالتالي ستكون هناك فرصاً وظيفية شاغرة بالكامل للعمالة السعودية .. جزء من هذه الفرص ستحتاج بعض الوقت لكي تظهر، وبعضها الآخر أصبح شاغراً الآن. أكثر من ذلك، فإن التصحيح سيقود فورا إلى غلق وإنهاء خدمات كثير من المشاريع القائمة، والتي كان يمتلكها ويديرها أجانب في الحقيقة.
إن لسان الحال ليقول بأن عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية الآن من المتوقع أن تخلو، وأيضا عشرات المشاريع المهنية والتجارية والخدمية التي كانت تسيطر عليها عمالة أجنبية أيضا ستخلو فورا.
ولنعطِ مثالا بسيطا لأحد المشاريع التي بات خالية، وهو مغاسل السيارات .. تلك المشاريع التي بسهولة جدا يمكن أن نجزم بأنها أحد الأنشطة التي كانت تسيطر عليها عمالة أجنبية سواء بالتملك أو الإدارة أو حتى العمالة فيها هي عمالة أجنبية بالكامل، بطبيعة النشاط .
دعنا نتوقع كيف سيكون النشاط بعد تصحيح الأوضاع .. يفترض أن تنتقل الملكية بشكل حقيقي لسعوديين، ومن ثم يتحول الملاك لعمالة في هذه المشاريع .. بعض العمالة تشير الدلائل إلى أنهم فضلوا الخروج النهائي من السوق لعدم قدرتهم على التحول من مالكين للنشاط للعمل فيه كعمالة .
إلا إن الفرص الاستثمارية بالنشاط ليست هذه فقط، ولكن الفرص في حقيقتها أن كثير من هذه المغاسل كانت تدار بالشارع من خلال عمالة غير نظامية .. فالنسبة الكبرى من غسيل السيارات كانت تتم بالشارع وخاصة بالمدن الرئيسية، وعلى رأسها مدينة الرياض، والعمالة غالبا تعمل بجهات حكومية أو قطاع خاص، ولكنها كانت تقوم بعملية غسيل السيارات أثناء فترة الصباح (من 4-7 صباحا) .. هذه العمالة يعتقد أنها كانت تسيطر على نسبة لا تقل عن 60% من نشاط غسيل السيارات بقيم يتفق عليها مع أصحاب السيارات تتراوح (ما بين 70-100 ريال) شهريا .. هذه العمالة الآن أصبحت مهددة وغير قادرة على القيام بهذه المهمة لأن الجهات الرسمية تطاردها لأنها تقوم بأداء مهن غير نظامية.
ولعل هذه العمالة الآسيوية كانت تستحوذ على أكثر من نصف خدمات سوق مغاسل السيارات، إذن ستعود نصف طاقة السوق إليه من جديد .. ومن جانب آخر، فإن نسبة هامة من المغاسل ستنالها تعديلات وتصحيح أوضاع .. ومن أكثر الأمور التي تؤكد أن نشاط مغاسل السيارات ستناله الاضطرابات هو اعتماده على العمالة الكثيفة، وهذه العمالة غالبا غير متعلمة، والقرارات النظامية الأخيرة، وخاصة قرار الـ 2400 من المتوقع أن يؤثر بقوة على قدرة هذه المغاسل على توفير العمالة المطلوبة لأداء نشاطها .
إذن، فنشاط المغاسل سيصبح من أبرز الأنشطة التي ستخلو من الأجانب كملاك قريبا، إن لم يكن قد بدأ بالفعل .. وعمالة غسيل السيارات «بالشارع» لن تستطيع تصحيح أوضاعها، لأنها بالفعل على كفالة مهن أخرى مختلفة، وبالتالي سيصبح النشاط شاغراً ويحتاج للإشغال سواء كاستثمار أو كمهنة.
هذا ويقدر عدد محطات الوقود والخدمات بالمملكة بحوالي 12458 محطة، ومن ثم فإن عدد المغاسل سيكون في حدود عدد مقارب .. إلا إنه في ظل المستجدات، فإن هذا العدد سيكون غير كافي بالمرة لتقديم الخدمات المطلوبة لغسيل السيارات بالشارع السعودي.
ولعل هذه المستجدات قد تبلورت بشكل واضح في ارتفاعات متتالية بأسعار غسيل السيارات خلال الآونة الأخيرة، بل يتوقع أن تزداد حدة هذه الارتفاعات خلال بقية هذا العام.
إذن لدينا فرصة استثمارية قوية ومغرية، ولا تتطلب رؤوس أموال كبيرة، ولكنها تحتاج إلى عمالة كثيفة نسبيا .. ولعله يمكن الاستفادة من بعض التجارب النا جحة في هذا الشأن بتوفير مغاسل جافة لا تستهلك كميات كبيرة من المياه ، أو توفير مغاسل متنقلة لكي تتيح مرونة في نقلها من موقع لآخر حسب تغيرات الطلب .. إنها فرصة استثمارية عاجلة تتطلب التفكير.