[JUSTIFY]
قام الحساب الرسمي للبيت الأبيض ليس فقط بالتغريد لمقال للكاتب فريد زكريا، بل أيضا كتب توصية تقول “مقالة مثيرة لفريد زكريا عن لماذا توقعات نتنياهو عن إيران خاطئة لـ25 عاماً الماضية”. وما يغرد به حساب البيت الأبيض ينسجم مع توجهاته السياسية حيث لا يوجد أبدا أي تغريدات وتوصيات لكتاب يخالفون نهج الإدارة الأميركية وطريقة تفكيرها، لذا من الطبيعي القول إن هذا يعكس حقيقة الموقف الأميركي.
في عالم “السوشل ميديا” الذي نعيش فيه اليوم، التغريدات لا تقل أهمية عن التصريحات السياسية، خصوصاً إذا صدرت من البيوت الرئاسية والقصور الملكية. وزكريا الذي ينشر مقالاته في صحيفة “الواشنطن بوست”، ويقدم برنامجاً على محطة “السي أن أن” يعد من أبرز المُستعدين على السعودية، وليس فقط المعادين لها، وهناك فرق بين الاثنين.
وأحد نماذج هذا الاستعداء الصريح والعلني هو المقال الذي كتبه في مجلة التايم الأميركية قبل مدة بعنوان “السعوديون غاضبون؟ ما المشكلة؟” أثار الكثير من اللغط حينها لافتقاده لأدنى درجات العدالة والموضوعية المتوقعة من وسائل إعلام عريقة.
في هذا المقال، غضب الكاتب من موقف السعودية الصحيح والأخلاقي بعدم قبول مقعدها في مجلس الأمن، اعتراضاً على تخاذل المجتمع الدولي لنصرة الشعب السوري من الإبادة المنظمة التي يتعرض لها على يد نظام بشار الأسد.
المقال مليء بالمغالطات المتعمدة التي تطرب لها أذن القارئ الأميركي، مثل حديثه عن دعم السعودية للمنظمات الإرهابية، وهي حجة يكررها أعداء السعودية باستمرار كدعاية تضليلية لم يثبت دليل واحد على صحتها. وكيف يمكن للسعودية دعم المنظمات الإرهابية وهي المستهدفة الرئيسية وتقود منذ سنوات حربا شجاعة ضدها، كما منع جهاز الاستخبارات السعودية وقوع العديد من العمليات الإرهابية التي تستهدف الأميركيين أنفسهم، كما في قصة الطرود من اليمن، وقد شكر أخيراً رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون السعودية لأنها أنقذت حياة مئات البريطانيين.
بالطبع يقفز فريد زكريا متعمداً على كل هذه الحقائق الواضحة، ويعلن بأسلوب استعدائي “أن سياسة خارجية السعودية هي الأكثر انعداماً للمسؤولية بين سياسات كل الدول!”. هل السعودية من ترسلها ميليشياتها وعصاباتها لقتل السوريين المدنيين أم إيران؟ هل السعودية أم إيران من عبث باستقرار العراق وقتلت آلاف الجنود الأميركيين وأكثر خطراً من داعش، كما قال أخيراً القائد السابق للقوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد باتريوس، وهو أحد أكثر القيادات العسكرية احتراماً؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لا يطرحها زكريا أبداً، لأنها تضعف من حجته المعادية، ولكن السؤال لماذا يعاديها، ولماذا اشتعل غضباً في موقفه من السعودية في ذلك المقال الساخط؟
أسوأ الحجج التي قد تتخيلها: لأن السعودية لعبت الدور الرئيسي الضاغط لتدخل الولايات المتحدة لوضع حد للمجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد، وهو لا يريد دورا للولايات المتحدة لإنهاء المأساة أو حتى تخفيفها. في كل مرة تزداد وتيرة الفظائع المرتكبة، وفي الوقت الذي يبدو أن أوباما يعقد العزم ولو على استحياء لدعم المعارضة السورية، يهب زكريا مزمجراً شارحا للإدارة الأميركية خطورة هذه الخطوة الأخلاقية والإنسانية. وبدل أن ينتقد القتلة يصب غضبه على الضحايا ومن يريد تقديم العون لهم.
وقبل أشهر أعلنت إدارة أوباما نيتها تسليح المعارضة بالأسلحة الخفيفة، فكتب مقالا وبخها فيه، بحجة أنه يجب عليها الالتزام بخط ثابت للسياسية الخارجية لا يتغير. خط ثابت واستراتيجية صلبة لا تغيرها مناظر جثث الأطفال الممددة ولا الأجساد المختنقة بالغازات السامة قبل أن تموت على أرضيات المستشفيات الباردة.
وهناك أسباب أهم من كل ما سبق تجعل زكريا معاد للسعودية، وهو أنه يقود الحملة لتلميع صورة إيران والتقليل من خطورة امتلاكها للسلاح النووي ليس على السعودية والخليج ولكن على إسرائيل.
مخاوف السعوديين والخليجيين من نووي إيران والفوضى التي ترتكبها في المنطقة لا تأتي أبدا في قائمة أولويات زكريا، بل المهم هو كيف يقبل الإسرائيليون ويعقدون مصالحة مع إيران، الأمر الذي يسهل على الأميركيين الانسحاب والالتفات شرقا نحو الصين. لهذا فإن مقاله الذي قام البيت الأبيض بإعادة التغريد به والتوصية، كان موجهاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في محاولة لتطمينه على نوايا الملالي الطيبة والودودة.
وقبل يومين نشر زكريا مقالا آخر تعقيبا على تغريدة البيت الأبيض، حاول فيه أن يجمّل صورة المرشد الأعلى خامنئي بعيون الإسرائيليين، مؤكدا أن تغريداته التي تنادي بتدمير إسرائيل هي مجرد مماحكات سياسية وألاعيب لفظية لا يعنيها حرفياً، مشيرا إلى أن المرشد اتخذ قرارا استراتيجيا بأن إيران لن تخوض أي حروب.
الحروب التي تحركها إيران في كل المنطقة ويقودها قاسم سليماني وذهب ضحيتها الآلاف، لا يعدها زكريا حروبا، والسؤال إذن موجه لزكريا: ما هي الحروب؟
بالتأكيد هو يدرك هذه الحقيقة الواضحة ولكن عداء السعودية يعمي العيون والبصائر.[/JUSTIFY]