[JUSTIFY]
يرجع الفضل في نشأة أسواق العقود الأجلة إلى المزارعين في شيكاغو في القرن التاسع عشر وكان المحصول الزراعي الذي يتم إنتاجه في منتصف غرب أمريكاً أساسياً، ومع تزايد التعداد السكاني في أوروبا في تزايد بمعدل سريع، فكانت الأراضي الشاسعة في أمريكا الشمالية بمثابة الوسيلة الأمثل لحل العجز الناتج من زيادة عدد السكان وكانت مدينة شيكاغو ميناء بحري الأفضل ليكون منفذ تصدير لأوروبا: فالسفن تبحر من أوروبا إلى شيكاغو التي هي تعتبر قلب الوسط الغربي لأمريكا الشمالية، فهناك من المواشي والسكك الحديد التي تنقل المحاصيل الزراعية كالحبوب وأيضاً لحوم البقرإلى ميناء شيكاغو وكانت المشلكة الوحيد فقط هي طول الفترة الزمنية لإتمام هذه العملية كلها فكان يجب على المزارعين الأمريكين زراعة المحاصيل في سنة او أكثر قبل توريدها إلى المستوردين في أوروبا ، وكانت أسعار هذه المنتجات الزراعية تتأرجح على حسب العرض والطلب. كما أن العجز في المعروض الزراعي في أوروبا أناذاك شجع المزارعين في أمريكا على زراعة المزيد من المحاصيل الزراعية، ولكن كان السؤال هو من الذي يستطيع أن يحدد السعر هذه المحاصيل بعد مرور سنة لزراعتها؟
فحصاد المحاصيل في العام التالي قد يكون جيد في أوروبا وأمريكا وبهذا يزيد المعروض مما يعني تعرض أسعارها للإنخفاض، وبالتالى فإن هذه المخاطرة الكبيرة كانت كافية لردع المزراعين عن فكرة التوسع الزراعي، كما أن بعض المستوردين في أوروبا كانوا يبحثون عن بعض اليقين المعرفة مسبقاً بأسعار المحاصيل الورادة التي سوف يدفعونها. فإذا إرتفعت اسعار هذه المحاصيل فجأة، فلن يجدوا ربحاً لهم، لذا فإن كلاً من المزراعين والمستوردين في أوروبا أرادوا أن يجدوا حلاً لهذه المشلكة.
الحل
في محاولة لإيجاد حل لهذه المشلكة أو تخفيف نتائجها تم إنشاء أسواق في مدينة شيكاغو حيث يمكن للمزارعين والمسشتريين إتمام عملية البيع و الشراء للمحاصيل كالقمح والذرة بتواريخ مستقبلية بمعنى أنهم يتفقوا على سعر للمحصول اليوم ليستلموه في وقت لاحق وكان مفهوم هذه الأسواق هو أن المزارعين يقومون بتقدير حجم الإنتاج الزراعي لهم (محاصيلهم) والذهاب إلى هذا السوق وعرضه للشراء ويتم التواصل بين المزارع والمشتري على أن تسليم المحصول سيكون بتاريخ كذا أو بعد مرور 6 أشهر مثلاً ولكن بنفس الأسعار المتفق عليها حالياً، وفي الواقع كان هذا هو الحل الأمثل لهذه المشكلة لكلاً من المزارعين والمستوردين حيث أن المشتريين يذهبون إلى هذه الأسواق و يشتروا ما يحتاجونه ويتم تحديد سعر جيد ومتى سيستلم المحصول.
معاييرالإنتاج
لجذب أكبر عدد ممكن من المشتريين والمشاركين بهذه الأسواق (أسواق العقود الأجلة) تم تحديد أسعار السلع بمبالغ محدودة،على سبيل المثال صفقة الذرة; يكون هناك عقد لعدد معين من مكاييل الذرة محدد بسعر معين هناك أيضاً ميزة أخرى مهمة لهذه الأسواق الآجلة حيث أن الصفقات تتم على الهامش(MARGIN)، وأي شخص يريد إتمام عملية بيع أو شراء عليه فقط الذهاب إلى السوق ويدفع نسبة صغيرة من السعر الإجمالي للعقد الآجل لسلعة معينة أما الباقي المستحق سيدفع عند تسليم السلعة المتفق عليها، وهذا ساعد على تشجيع المشتريين والمستوردين على دخول هذه الأسواق، حيث إن الدفع مقدماً لإستلام البضاعة بعد عدة أشهر لم يحظى بالترحيب جيد من قبل المشتريين، وهذه الميزة أيضاً سمحت للمضاربين أن يجدوا فرصة لتحقيق مكاسب ضخمة، وليس من الصعب أن نرى كيف يحدث ذلك؟
على سبيل المثال القمح ثمنه 100 دولار للطن وعند شراء القمح في السوق الأجلة يستلم بعد 6 أشهر فعليهم أن يدفع 10 دولار كدفعة أولى من ثمنه الأصلي و بعد شهرين يرتفع سعر القمح إلى 150 دولار للطن وبدلاً من الإنتظار لإستلام القمح الذي إشتراه مقدماً يقوم ببيعه مرة أخرى في سوق العقود الآجلة وبهذا قد أغلق صفقته بربح 50 دولار او ما يعادل500% من إستثماره الكلي الـ 10 دولار، على الرغم من أن سعر القمح قد إرتفع بنسبة 50% فقط ونتيجة لدخول المضاربين أسواق العقود الآجلة جعلوها أكثر سيولة ، لإنهم قد يبرموا صفقة جيدة وإكتساب أرباح حتى ولو لم يكن هناك مشتريين وبائعين بالشكل الطبيعي في هذا السوق وهذه هي البديات الأولى لأسواق العقود الآجلة، شراء أو بيع السلع المحددة على الهامش للتسليم في المستقبل وهذه السوق كانت أيضاً بداية التحوط إن كانوا هم المنتجين أو المستهلكين فبدءوا يستعملونها للتقليل من المخاطر و عدم اليقين بالنسبة ، فالمضاربين على أتم الإستعداد لتحمل المخاطر على أمل تحقيق أقصى ربح ممكن وبذلك يكون سوق العقود الآجلة وسيلة لنقل المخاطر من المتحوطين للمضاربين، مع الأخذ في الإعتبار المبدأ الإقتصادي أنه لا يوجد شئ مجاني، وعلى المتحوطين دفع عمولات جيدة للمضاربين لتحمل هذه المخاطرة كما أن الأرباح الكبيرة التي يمكن تحقيقها من خلال التداول على العقود الآجلة يؤدي إلى سوء تقدير لدي الكثير لأن العقود الآجلة متقلبة بطبيعتها و محفوفة بالمخاطر، ففي الواقع أسعار العقود الأجلة ترتفع أو تنخفض على حسب سير السلع الحقيقية، مما يؤدي إلى المفهوم الخاطئ وهو في الحقيقة أن المضارب عند شرائه عقد آجل فهو يدفع نسبة صغيرة مقارنة بالمبلغ الذي سيدفعه لو إشترى السلعة فعلياً.
الخيارات(options)
نصادف في حياتنا اليومية الكثير من الخيارات، ولكن من دون إعطاء الكثير من الاهتمام لها، وتحدث هذه الخيارات عندما يكون لدينا حالة من عدم اليقين ولكنها أيضاً مفيدة في إدارة المخاطر على سبيل المثال: فمعظمنا يؤمن على بيته و سيارته وصحته، نحن أيضاً نحمي ممتلكاتنا من خلال اتخاذ بعض بوليصات التأمين من شركات التأمين الذين يوافقون على تحمل تكلفة خسارة أو ضرر لهم، وفي المقابل أن ندفع نحن بشكل دوري لهذه الشركات رسوم أو قسط الذي يكون مسعر كجزءاً منه على قيمة الممتلكات لدينا ومدة التغطية، وفي الحقيقة نحن نقوم بإبرام عقود يتم بموجبها تحويل مخاطرنا لشركات التأمين وعلى الرغم من هذه الخيارات غالبا ما يستعملها المحترفين من المستثمرين، ولكن الأفراد يكون لديهم جزء حيوي في هذه الأسواق غالبا الخيارات تكون ملازمة مع العقود الآجلة لان كلاً منهم مبني أساس الكميات، فعلى سبيل المثال: الخيارات التي تعطي للمشتري الحق في شراء أو بيع سلعة أو إبرام عقد فهي أداة مالية أو سلعة يحصل عليها في المستقبل - لهذا السبب تعرف العقود الآجلة والخيارات أنها مشتقات مالية(derivative) المستثمرين يفضلون الخيارات لأنها توفر لهم خطراً محدوداً، على عكس العقود الآجلة حيث يتعرض كلاً من المستثمرين إلى ارتفاع أو انخفاض لإستثماراته بناءاً على أسعار السوق ولكن الخيارات هي رهان في اتجاه واحد لا تختلف كما أسلفنا عن بوليصة تأمين، لأن الخيارات تعطي لحاملها الحق و ليس الالتزام لشراء أو بيع السلعة التي يبنى عليها الخيارات في الوقت المحدد للخيار ولو نظرنا إليها من عدة نواحي نجد أن الخيارات أكثر أدوات الإستثمار تنوعاً ومرونة التي تم إختراعها على الإطلاق. نظرا لأن التكلفة أقل بكثير من سعر السلع أو الأسهم التي قد يبنى عليها الخيار، لأنها توفر نهجا مردود مالي عالي و تحد بشكل كبير من المخاطر الكلية للتداول ويمكن توفير دخل إضافي.
العقود الآجلة والسلع - تطور التداول في دولة الإمارات العربية المتحدة
تطورت المنطقة عموماً ودولة الإمارات العربية المتحدة خاصة حيث شهدت المنطقة اقبال متزايداً ومستمراً للمنتجات الاستثمارية والأدوات المالية الجديدة ولكن هذه الإقبال لم يحدث مصادفة، فقد تم العمل للوصول لهذه المرحلة منذ عام 1990 الوقت الذي بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة في تأسيس اقتصادها. في ذلك الوقت تم وضع إستراتيجية إقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة عموماً ودبي خاصة ليكون إقتصاد قائم على المجال المالي والسياحي و تقديم الخدمات بالإضافة إلى التخطيط الملهم وربما أسباب جيوسياسية غير متوقعة في المنطقة بالإضافة إلى وجود سيولة مالية كبيرة في الإمارات العربية المتحدة ساعد كل ذلك لتكون ما هي عليه الأن وكل هذا يترجم إلى النمو الهائل الحاصل في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للمنطقة و القوة الشرائية والرغبة الشديدة للاستثمار أصبحت مركزاً لا يقاوم لجذب الاستثمار ليس فقط للمنطقة ولكن أيضا لجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا وروسيا وكان لنمو أعدد أصحاب الملايين في دولة الإمارات العربية المتحدة بمعدلات أعلى من الولايات المتحدة وبريطانيا في الفترة الأخيرة وهذا ليس بالمفجأة الكبيرة لانه منذ أن أصبحت الإمارات العربية المتحدة من بين الدول العربية الأولى من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. فأصبح الإستثمار الخاص أو الفردي يتضمن الكثير من المنتجات الإستثمارية من بينها العقارات والأسهم والمشتقات المالية وبنظرة أوسع للمشهد الإستثماري، كانت عادةً أدوات الإستثمار هي الأسهم والدخل الثابت و العقارات أما اليوم فمع زيادة متطلبات المستثمرين للأدوات الإستثمارية أكثر تطوراً يتجون إلى المشتقات المالية خاصة نحو السلع.
تطور تداول السلع من شراء وبيع عيني إلى إدراتها باستراتيجيات العقود الآجلة من خلال المحافظ الإستثمارية. وقد أعطى الطلب على الأفكار الجديدة وسيلة لنمو كبير للاستثمارات البديلة للمشتقات المالية وصناديق التحوط والإستثمار في شركات خاصة. والطلب على أفكار إستثمارية جديدة يعطي الإشارة إلى نمو الأدوات المالية المشتقة و صناديق التحوط و الأسهم الخاصة ساعدت الأجهزة التنظيمية والبورصات مثل مركز دبي لسلع المتعددة ( DMCC ) وبورصة دبي للذهب و السلع (DGCX) وبورصة دبي للطاقة (DME) ، أعطوا للمستثمرين في الإمارات العربية المتحدة و المنطقة فرصة للإستثمار في أصول متعددة فمثلاً شاهدنا نمو حجم التداول في بورصة دبي لذهب والسلع في شهر إكتوبر الماضي 2014 بنسبة 28% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، في نفس الشهر فقد توسعت بورصة دبي للذهب والسلع بشكل كبير وشملت محفظتها للأسواق الناشئة بإدراج أربع منتجات، وشهد أيضاً شهر أكتوبر ثأني أكبر ارتفاع في حجم التداول الشهري خلال السنة بإجمالي عدد صفقات 1,044,396 صفقة ونمى قطاع العملات لبورصة دبي للذهب و السلع بنسبة 31% في السنة وهو ما يمثل نحو 93% من الحجم الإجمالي للصفقات البالغ 978,169 صفقة ، وشهد كلاً من صفقات الروبية الهندية الأجلة والعقود المصغرة لها أداء جيد كما أطلقت أيضاً صفقتين مصغرتين لأزواج العملات بالعقود الأجلة (الروبية/ الجنية الإسترليني)و (الروبية / اليورو)، وللتداول في هذه الصفقات لاقى إقبالاً كبيراً ومتسارع ويشارك بيه المؤسسات الاستثمارية أيضاّ أبرز شركاء دبي متداولين في قطاع الذهب هم الهند وسويسرا وماليزيا واستراليا وجنوب افريقيا وايطاليا والمملكة المتحدة وتركيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، في حين أن النطاق التجاري لدبي مع العالم الخارجي قد توسع ليشمل 101 دولة باختصار فإن كل العوامل المذكورة سابقاً قد عزز من الطلب على قنوات استثمار وأدوات مالية جديدة ونتج عن ذلك هذا الإقبال الكبير في العقود الآجلة و التداول عليها في المنطقة الثورة في العقود الآجلة والسلع التداول في المنطقة.
لقد رأينا طلب متزايد على تداول العقود الآجلة في المنطقة بعد إنشاء بورصة دبي للذهب (DGCX) حيث تقع دبي في موقع مثالي جغرافياً لتلعب دورا هاما ومتزايد في توفير السيولة وتغطية المخاطر المرافقة للمتداولين والمنتجين والمستوردين في الشرق الأوسط وآسيا وخارجها استحداث منتجات أخرى للتداول في بورصة دبي للذهب و السلع مثل عقود السلع الزراعية بمواصفات التي يمكن المشاركين في السوق المحلي من فهمها، وأتوقع أن يكون موضع ترحيب كبير ومن المهم أيضاً في رأئي إدخال العقود الآجلة إلى أسواق الأسهم الملحية لأن ذلك سيتيح للمستثمرين إمكانية فتح صفقات بيع وذلك كوسيلة تحوط عندما تكون الأسواق منخفضة لذلك فهي تحمي المستثمرين ،وهذا يمكن أن يعطي سيولة للبورصات في أسواق الأسهم العالمية المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية و إستخدام العقود الأجلة يساعد على التأكد من أن المشاركين في السوق لا يمكنهم التلاعب في سهم معين ، فأسواق العقود الأجلة أصبحت الأن كبيرة جداً ومن الصعب التلاعب بيه وفي النهاية فإن الشئ الوحيد المؤكد منه هو أننا جميعاً نتوقع المزيد من التطورات في البورصات المحلية في دبي المنطقة.
[/JUSTIFY]