المعايير والمفاهيم العالمية للسياحة الريفية والزراعية يعني احياء المكان كما هو في أصله من حيث السكنى والمعيشة وممارسة الحياة مثلماكانت عليه الحال في السابق من حيث السكن والطرق والمسالك ورعي وتربية المواشي وحلبها وزراعة وجني المحاصيل والطرق التقليدية للطبخ وتقديم المائدة التي كانت سائدة ، ما يعني إعادة تجسيد الدور لنمط العيش الذي كان سائداً دون رتوش أو محسّنات غير ضرورية، وإن تطلب الحال احداث أو زيادة السعة الاستيعابية لبعض دورالإيواء فإنه يشترط عدم الاضرار بالمظهر العام وبالبيئة أو تغيير معالمها الطبيعية وأن يقوم بالضيافة سكان أصليون أو فئات متدربة تتقنالدور، وفي كل الأحوال يبقى البطل هنا هو السائح فردا او جماعة او أسرة اللذين تستضيفهم دور الإيواء ليعشوا تجربة النمط المعيشي ، والتطبيق الحرفي لتلك المفاهيم ضمان تسويق السياحة الريفية ويتطابق مع متطلبات توثيق النشاط في المنصات الدولية المعنية بالسياحة الريفية، ما يحقق لها انتشاراً على مستوى العالم .
ومن متطلبات السياحة الريفية والزراعية التأهيل العلمي المتخصص والتدريب العملي الجاد ولا أرى أن الاكتفاء بدورات قصيرة أو ندوات وورش عمل وقتية لن يسهم في صناعة سياحة ريفية آمنة لما تنطوي عليه من تعامل واحتكاك مباشر مع شرائح مختلفة عقائديا وعلميا وثقافيا واجتماعيا مما يجعل من تصدر المشهد للهواة والمبتدئين والمتحمسين غير المؤهلين مخاطرة غير محمود العواقب.
إن الاعتقاد الخاطئ والسائد لدى العامة ينحصر في أن السياحة الريفية والزراعية تنحصر في احتساء فنجال قهوة أو كأس شاهي أو تناول طبق شعبي أدخلت عليه تعديلات تسويقية, في موقع منزل مهجور أو على ضفاف مزارع تم تزيينها بنباتات وأزهار لم تكن سائدة في الحقبة الزمنية التي اردنا للسائح أن يعيشها بكل تفاصيلها.
الواقع المحزن ولم تجد له شيخوختي تفسير .. انه من خلال المتابعة بالفترة الماضية وما تتناقله وتتداوله مواقع التواصل الاجتماعي عن مسارعة بعض الهواة والمبتدئين والمتحمسين في تأسيس كيانات للاستثمار في هذا المجال تحت مسميات مختلفة دون تأهيل علمي ولا سابق خبرة أو إطلاع على تجارب من سبقونا وهذا ينذر بخطر تدمير بيئتنا ويحوّل جبالنا الخضراء وسهولنا الزراعية من منتجة ترفد وتعزز الأمن الغذائي إلي ما يشبه مواقع متناثرة بفعل السباق لإقامة تجمعات وغرف متقاربة لدور ايواء موسمية لا تقدم الحد الأدنى من متطلبات السياحة الريفية والزراعية ولا تتيح للسائح تجربة عملية تحاكي الواقع لذلك النمط من الحياة للأجداد ومن سبقهم من الرعيل الأول الذين شيدوا تلك المباني في مواقع وعرة المسالك.
إن تحقيق متطلبات " سياحة ريفية وزراعية " طوال العام، يحتاج جهدا وعملا وتمويلاَ بدءً من استزراع المحاصيل الزراعية بمواسمها ليعيش ويمارس السائح دور المواطن الأصلي للمنطقة المستهدفة، أما أن نقوم بتشييد دور في فلاة بين بعض أشجار الطلح والسمر أو نقوم بشق طرقبمرتفعات لترميم مبنى قديم على حساب ردم بقية الجبل لغاية سياحية أو وضع عدة كراسي بأرض زراعية دون زراعتها فذلك الفعل لا ينتمي لا لمفهوم السياحة الريفية ولا حتى الزراعية وفي اعتقادي الشخصي أن التوصيف الدقيق لهذه الممارسات هو استثمار مدمر للإرث التاريخي والثقافي ولا ينقل صورة حقيقية لنمط حياتنا وهذا ما يبحث عنه هواة وعشاق السياحة الريفية.