سعت الحكومة السعودية منذ مطلع 2013 إلى اتخاذ العديد من الخطوات التشجيعية لجذب الشباب للانضمام إلى القطاع الخاص بمختلف أركانه، وكان من أبرزها تحديد حد أدنى للأجور بواقع ثلاثة آلاف ريال، ليحسب العامل بموظف واحد في المؤسسة، والسعي إلى تخفيض ساعات العمل، وتوفير إجازة يومين، ومطالبة الشركات بعمل هيكلة وظيفية لحفظ حقوق العاملين بها.
تأتي هذه المساعي لتخفض القلق الوظيفي المتنامي لدى الشباب من العمل في القطاع الخاص، في محاولة ناجحة لبث دواعي الاستقرار كحال القطاع الحكومي، وتوظيف أكبر عدد من الشباب السعوديين في مختلف المنشآت الخاصة.
ويطمئن قرار منح موظفي القطاع الخاص إجازة يومين في الأسبوع موظفي القطاع الذين طالما نادوا بمساواتهم بموظفي القطاع الحكومي، في حين يشكل قلقا لدى أصحاب الأعمال في القطاع الخاص.
وعلى الرغم من أن خفض ساعات العمل إلى 40 ساعة في القطاع الخاص له آثار إيجابية في جاذبية الوظائف وتقاربها مع القطاع الحكومي، فإنه قد تحدث سلبيات تتعلق بالتكلفة التي قد تلجأ بعض الشركات لتحميلها للزبائن في حال زادت عدد الموظفين، أو إجبار الموظفين على ساعات عمل إضافية من دون أجر واتفاق مسبق.
يحذر عبد الله العليان مدير عام فرع مكتب العمل في منطقة مكة المكرمة أصحاب الأعمال في القطاع الخاص من إجبار العاملين على العمل بساعات إضافية تتجاوز ثماني ساعات من دون إعطائهم أجرا إضافيا أو اتفاق مسبق، مطالبا العاملين الذين يتعرضون لهذا الأمر التوجه مباشرة إلى مكتب العمل وتسجيل شكوى ضد صاحب العمل.
وبين العليان أن نظام العمل واضح ويحد من استغلال الموظفين، وأنه في حال تسجيل شكوى ضد صاحب العمل يتم استدعاؤه للتفاهم معه وتحديد الضوابط.
واستبعد استحداث الوزارة لساعات عمل قصوى تزيد على ثماني ساعات من دون أجر إضافي، متزامنة مع قرار إجبار القطاع الخاص على إعطاء الموظفين يومين إجازة.
من جهته، أوضح فضل البوعينين الخبير الاقتصادي لـ«الشرق الأوسط» أن قرار منح موظفي القطاع الخاص إجازة يومين مساواة بموظفي القطاع الحكومي سيسهم في زيادة جاذبية القطاع الخاص لطالبي الوظائف من السعوديين الذين يعتقدون أن ساعات العمل الحالية مرتفعة، إضافة إلى عدم كفاية الإجازة الأسبوعية الحالية المحددة بيوم واحد.
ورأى أن القطاع الحكومي يعاني من التضخم لأسباب مرتبطة بجاذبيته مقارنة بالقطاع الخاص؛ باستثناء الشركات الكبرى التي تقدم رواتب مجزية وتلتزم بساعات عمل مشابهة للقطاع الحكومي إضافة إلى إعطائها يومين إجازة في الأسبوع؛ كشركة «أرامكو» و«سابك» و«الكهرباء» و«الاتصالات» والشركات البتروكيماوية وغيرها من الشركات الأخرى.
ويرى البوعينين أن زيادة الإجازة الأسبوعية إلى يومين لن تؤثر كثيرا في الطلب على الوظائف؛ مستشهدا بما حدث في القطاع المصرفي قبل عدة سنوات بعد أن طبق نظام إجازة اليومين، وحجم الوظائف في تناقص حاد، مبينا أن العلاقة بين الإجازة الأسبوعية وعدد الموظفين تكاد تكون معدومة.
وفيما يتعلق بالشركات التي تعتمد نظام «المناوبة» أو تلك العاملة على مدار الأسبوع بين البوعينين أن هذه الشركات تلجأ في أحايين كثيرة إلى زيادة عدد ساعات عمل الموظف خارج الدوام؛ كي لا تضطر لخلق وظائف جديدة؛ فتكلفة الساعات الإضافية تقل بكثير عن تكلفة الموظف الجديد.
ولفت إلى أنه في بعض الأحيان يتم تقسيم المجموعة الواحدة إلى مجموعتين؛ تعمل إحداها الخميس، والأخرى السبت؛ وبذلك تعطي جميع موظفيها يومين إجازة من دون أن تضطر لتوظيف المزيد؛ وهذا يؤدي إلى تحميل الموظفين أعمالا إضافية.
وعن تأثير هذا القرار على جودة الإنتاج أوضح البوعينين أن غالبية الشركات تركز على عدد ساعات العمل، والأيام الأسبوعية، من دون النظر إلى الإنتاجية، فمن الناحية الإدارية يفترض أن يكون التركيز الأكبر على الإنتاجية، التي يمكن قياسها بسهولة، وزيادة الإنتاجية لا تتحقق إلا بتحسين ظروف العمل وبيئته، وأن إجازة الموظف وساعات الراحة من الأمور المؤثرة في ظروف العمل المحيطة.
وبين أن أثر إجازة اليومين سينعكس بشكل إيجابي على الموظف والإنتاجية، فتمتع الموظف بيومين إجازة سيساعد في تحسين أدائه وزيادة إنتاجيته، متوقعا زيادة الإنتاجية بمجرد تمتع موظفي القطاع الخاص بيومين إجازة، إضافة إلى جودة الإنتاج التي ترتبط ارتباطا كبيرا بنفسية الموظف.
وأوضح أنه على الرغم من أن أي زيادة في التكاليف ستؤثر بشكل مباشر في الربحية، فإن الأمر لا يمكن قياسه من جانب التكاليف من دون النظر إلى حجم الإنتاج وجودته وانعكاسه على الدخل، مشيرا إلى أن دفع الشركات لخارج الدوام سيكون محفزا للموظف على زيادة إنتاجيته، وإن كان يتمنى أن يتمتع الموظف بيومين إجازة؛ لما في ذلك من انعكاسات إيجابية على الموظف والأسرة والمجتمع وجودة الإنتاج.
وحذر من زيادة تكاليف القوى العاملة إن لم تواجهها زيادة في الإنتاج والمبيعات، مبينا أن ذلك سيؤثر سلبا في الربحية من دون شك، وأنه تأثير يجب أن تتحمله الشركات مقابل إعطاء موظفيها حقوقهم المشروعة.
وعن تأثير هذا القرار في خفض التكاليف التي يتكبدها صندوق «حافز» نهاية كل شهر، بين البوعينين أن زيادة جاذبية القطاع الخاص، وخاصة في ساعات العمل والإجازة الأسبوعية ورفع الأجور، سيؤدي إلى قبول كثير من السعوديين المسجلين في «حافز» بالوظائف المستحدثة، ولكن يجب التأكيد على أهمية خلق الوظائف أولا، وهو أمر تسعى وزارة العمل لتحقيقه من خلال الأنظمة والتشريعات.
ولفت إلى أن هذا القرار سيجعل الكثير من الشركات تلجأ إلى زيادة ساعات العمل عوضا عن زيادة عدد الموظفين مثلما فعلت المصارف من قبل، حيث قامت بتوزيع ساعات عمل الخميس على أيام الأسبوع الخمسة، حين أقرت تطبيق إجازة يومين في الأسبوع.
وأكد أن هذا يجب أن يكون مرتبطا بساعات العمل القصوى التي ستقرها وزارة العمل، رافضا هذه الخطوة، مشددا على أحقية الموظف في تمتعه بيومين إجازة وألا تزيد ساعات العمل على ثماني ساعات، أي بمعدل 40 ساعة في الأسبوع مقسمة على خمسة أيام.
واتفق الاقتصادي عصام خليفة مع البوعينين حول رؤية التأثير الإيجابي الذي سيعكسه هذا القرار على موظفي القطاع الخاص وبين أن هذا القرار يحمل أبعادا إيجابية مهمة على مستوى الاقتصاد وإنتاجية الأفراد العاملين، ويحقق توازنا اجتماعيا مهما لهم في القطاع الخاص، إضافة إلى جذب الشباب السعودي بشكل أكبر للعمل في القطاع الخاص.
ولفت إلى أن الدراسات والإحصاءات أكدت أن إنتاجية الموظف الذي وفرت له إجازة يومين أفضل من إنتاجية الموظف الذي لم توفر له، والدليل إنتاجية موظفي الشركات الكبرى والعالمية في السعودية مثل «أرامكو» و«سابك» والبنوك وغيرها من الشركات السعودية، التي تتضاعف إنتاجية الموظف فيها عن إنتاجية الموظف في الشركات الأخرى، ولم تسجل تلك الشركات نسب هروب أو خروج موظفيها، بل يتزايد الإقبال على التوظيف في تلك الشركات، وأن الموظف يكفل الولاء والعطاء للجهات التي تحفظ حقوقه.
وعن أبرز إيجابيات منح موظف القطاع الخاص إجازة يومين أوضح خليفة أنه سوف يسهم بشكل مباشر في زيادة إقبال المواطنين السعوديين على العمل في القطاع الخاص، وبالتالي خفض نسب البطالة، علما أن هناك 500 ألف منشأة لا يوجد فيها سعوديون بسبب غياب العوامل المحفزة.
ورأى أن هذا القرار يصبح في مصلحة العامل وصاحب العمل في الوقت نفسه، ويساهم في تحسين بيئة العمل الأمر الذي يعزز من الاستقرار الوظيفي للعمالة الوطنية بالقطاع الخاص ويزيد من ولاء العامل وإنتاجيته، كما يقلص من حجم الشكاوى العمالية.
وأوضح خليفة أن هذا القرار سيحقق الكثير من الفوائد الاقتصادية الناتجة عن توظيف أعداد كبيرة من القوى العاملة الوطنية بما في ذلك الحد من التأثيرات السلبية والفرص الاقتصادية الضائعة نتيجة التحويلات النقدية للعمالة الوافدة والتي تقدر بمائة مليار ريال سعودي سنويا، وتعزيز مقومات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال تقليل الفوارق بين القطاعين العام والخاص والاعتماد على القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص.
وقال إن «هذه الإجازة ستعطي المواطنين دافعا نفسيا للعودة للعمل بشكل جيد ونشط، وستجعل الموظف يقضي حاجات بيته وأسرته التي تبقى حبيسة المنزل طوال الأسبوع ومن ثم يعود إلى العمل بنفسية جيدة، كما أنها ستؤدي إلى زيادة الرواج في السوق وتحرك الأموال بين الناس نتيجة للشراء والتنزه الذي سيعطي الاقتصاد دفعة أكثر وتجعل الناس تصرف أموالها مما يعطي رواجا اقتصاديا».
وأضاف: «شعور الموظف بحصوله على حقوقه العملية يزيد من نشاطه وإنتاجيته، مما ينعكس على الإنتاجية ويزيد حجمها مما يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة إيرادات القطاع الخاص وتخفيض تكاليف الإنتاج وبالتالي يزيد المعروض الذي بدوره يدفع أسعار السلع والخدمات للانخفاض ومن ثم تنخفض معدلات التضخم وتستقر الأسعار».
في هذا السياق، فرغم اتفاق آراء الاقتصاديين على تأثير القرار بشكل إيجابي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، فإن أصحاب الأعمال في القطاع الخاص ينظرون إلى القرار بمنظور آخر، يختلف عن رؤية الاقتصاديين.
بهذا الخصوص يؤيد محمد الشهري، وهو رئيس لجنة الأقمشة والملبوسات في الغرفة التجارية في جدة، قرار وزارة العمل القاضي بمنح موظفي القطاع الخاص يومين عطلة أسبوعية، ويراه صائبا يحمل الكثير من الإيجابيات ويحمل أيضا سلبيات على القطاع الخاص على غرار باقي القرارات الأخرى التي أطلقتها وزارة العمل كتأنيث المحلات و«نطاقات».
وبين الشهري أن طبيعة أسواق السعودية تختلف عن بقية أسواق العالم من حيث الدوام، وأن هذا القرار مع طبيعة العمل في أسواق السعودية التي تعتمد نظام الفترتين لن يخدم صاحب العمل ولا الاقتصاد، مشيرا إلى الصعوبات التي تواجه العاملات في المحلات والتي منها توفر المواصلات وتعنت ولي الأمر في أحايين أخرى والتي تقف حجر عثرة أمام توفير عمالة كافية في الوقت الذي كانت فيه العطلة يوما واحدا، فكيف بزيادة العمالة في ظل عدم توفرها بعد قرار يومي العطلة؟! وأكد رئيس لجنة الأقمشة والملبوسات في الغرفة التجارية في جدة أنه رغم المطالبات الكثيرة بتطبيق نظام الدوام المتواصل مثل باقي دول العالم، فإن هذه المطالبات قوبلت بالرفض لأسباب تتعلق بخصوصية مناخ السعودية الذي يتسم بالحر الشديد، واصفا الأسباب بغير المقنعة نظرا لوجود مثل هذا المناخ في دول أخرى ورغم ذلك اعتمدت نظام ساعات العمل المتواصلة.
كما يعتقد الشهري أن هذا القرار سيجعل الشركات تلجأ إلى زيادة ساعات الدوام بدلا من زيادة أعداد الموظفين، مبينا أن قطاع البيع بالتجزئة سيكون من أكثر المتضررين من هذا القرار، نظرا لما يعانيه أصحاب الأعمال في هذا القطاع من عدم جدية والتزام الموظفين والموظفات السعوديين، وعدم رغبتهم في العمل في القطاع الخاص وبحثهم وانتظارهم لوظائف حكومية وإن كانت بأجور أقل.