في رواية “دون كيشوت” ذائعة الصيت للكاتب الإسباني ميجل دي ثربانتس يتوهم البطل الذي تحمل الرواية اسمه أنه يواجه عمالقة هي في الأصل طواحين الهواء.
في الرواية انتصر الفارس الغارق في خياله عليها، ولكن بعد 399 عامًا على نشر الجزء الثاني من رواية الكاتب الملقب بأنه “عبقري لا مانشا”، كتب منتخب هولندا نهاية مغايرة لمعركة الطواحين والبطل الإسباني، بفوزه على “ورثة دون كيشوت” بخمسة أهداف مقابل واحد.
دخلت إسبانيا المباراة في نفس حالة “التوهم” التي بدأ فيها دون كيشوت معركته الخيالية؛ حيث تهيأ لها عن طريق هدف تشابي ألونسو الأول الذي جاء من ركلة جزاء مشكوك في صحتها أنها ستتسيد المباراة، وستكرر الفوز على هولندا مثلما حدث في نهائي مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، وذلك الذي يخص “فارس لامانشا” على الطواحين.
سقط “الماتادور” في أكثر من جانب قبل وأثناء المباراة، فالقائد إيكر كاسياس، الذي ارتكب خطأين لا يُغتفران في مباراة اليوم، نقل نوعًا من الثقة الخاطئة لنفسه وبقية الفريق منذ عدة أيام عندما قال نصًّا: “إسبانيا هي المرشح المطلق للقب”، ربما كجانب من الحرب النفسية على هولندا قبل المواجهة، ولكن الأمور انقلبت ضده، فإسبانيا لم تكن ستواجه معركة وهمية مع طواحين ثابتة لا تتحرك مثلما فعل دون كيشوت، بل بالفعل عمالقة حقيقيين.
خطأ كاسياس في الهدف الرابع حينما كان فريقه متأخرًا بهدفين يُظهر هذا الأمر، فكيف يمكن أن يكون فريق متأخرًا بهدفين يحاول حارس مرماه حتى ولو كان “قديسًا” مراوغة مهاجم بحجم فان فيرسي، نجم مانشستر يونايتد الإنجليزي، أما الهدف الخامس فلم يكن قائد إسبانيا حينها يواجه “روبن نهائي 2010” بل “روبن هود” الذي عرف كيف يتلاعب به و”نبلاء” الدفاع الإسباني.
كاسياس لا يقع عليه الجانب الأكبر من اللوم في ما حدث بالمباراة، ولكن بكل تأكيد قبلها عن طريق الثقة الزائدة التي نقلها، لكن جزءًا كبيرًا من المسؤولية فيما آلت إليه الموقعة يقع على قلبي دفاع إسبانيا؛ جيرارد بيكيه، وسرجيو راموس.
“لا عمق لا تفاهم”.. هذا كان عنوان أداء الثنائي في مباراة اليوم، فثلاثة من أصل خمسة أهداف سجلتها هولندا في اللقاء، أهمها الأول والثاني كانت بسبب تباطؤ الثنائي وحالة التوهان التي التصقت بهما، حينما اكتشفا أن ورثة دون كيشوت يواجهون “عمالقة” بالفعل وليس طواحين. عمالقة تعرف متى وأين تتحرك في كافة أنحاء الملعب، وتضغط على الخصم، وتستخلص منه الكرات لتضع الساحرين فان بيرسي وروبن في أنسب وضع لتخريب محراب “القديس” كاسياس.
من هنا تأتي النقطة الأهم: إسبانيا لعبت بنفس طريقة برشلونة: الاعتماد على الاستحواذ الذي ضاع منها في الشوط الثاني، وتمريرات الـ”تيكي تاكا” القصيرة.
لجأت إسبانيا إلى هذا الأسلوب على الرغم من كل بوادر الموسم الجاري بأنه بات مكشوفًا بل ومرهقًا للفريق الذي يطبقه في ظل النظرية الجديدة البسيطة للضغط المبكر والمرتدات، والتي طبقتها طواحين هولندا اليوم ببراعة.
في القرن الحادي والعشرين سقط أحفاد “دون كيشوت” بطريقة مدوية أمام طواحين هولندا لأنهم أفرطوا في الثقة، ولم يفصلوا بين الوهم والحقيقة، ومعركتهم المقبلة لن تكون سهلة أمام منتخب تشيلي، الأرض التي دخلها الإسبان في 1541 على يد بدرو فالديفيا، ذلك لأن أبناء أمريكا اللاتينية لديهم الكثير ليقولوه في البطولة التي تلعب داخل قارتهم.