الذين ترهقهم أنفسهم " كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ، والماء على ظهورها محمول "لديهم كل مقومات العيش الطيب الرغيد ، ويملكون الحياة برفاهية عالية ، لا ينقصهم شيء البتة ، لكن الروح تسأل المارة عن هناءة العيش وسلام الحال ، لديهم ذاكرة قوية جدا لكل معاركهم مع الآخرين ، وأحزانهم التي يستحضرونها في كل حين ويجسدون تفاصيلها حتى لتشعر أن الموقف ماثلاً أمامك من دقة الوصف المصحوب بعواطف مستنزفة!!، لا يجيدون معنى الحياة السعيدة ، هم يرونها عند الآخرين ويتمنون زوالها منهم ، لا يعرفون عيش اللحظة ،إذا مرت اللحظة الجميلة انسحبوا إلى غيرها بحجة أنهم من الداخل متصلون بدائرة الألمالغير منتهي !! ، يعيشون تشتت غريب ، حالهم سخط دائم ، وتشكي حتى من أنفسهم ، وتذمر ، لا تعرف منهم سوى حالتهم التي يرثى لها ، القلق يأكل منهم كما يأكل الذئب من الشاه ، يختارونه بعناية ويركزون عليه حتى يتضخم ويعرفون به بل ويرفضون التخلص منه لأنه يشعرهم بقيمتهم بأنفسهم من الداخل، ثم يسألون أين ذاك الفرح ؟ أين تلك السعادة؟ أين الحظ الوافر الذي يحظى به الآخرون
في مجالستهم تشعر كأنهم لم يذوقوا نعيم قط، ولم يمسهم خير ، مع أنهم في ترف عيش لكن لم يتلذذوا به، كلماتهم تدور في فلك قلة الحظ لما يمرون به، وأنهم ذاقوا كل مصاعب الحياة وتحدياتهم، بل يبذلون وقتا طويلا لإقناعك أن حياتهم سيلاً من الضيق الذي لا ينفك عنهم، وللأسف هذا البؤس الذي يعيشونه جر عليهم ويلات الإحباط والهزائم النفسية قادتهم للمرض الجسدي والنفسي، الحمدالله.
للذين ترهقهم أنفسهم الواقع حصيلة انعكاس للأفكار التي تختارونها وتحبونها حبأ جما، وهي تترجم ما تختارونه من التعاسة والكآبة، وهي اختيار بحت من لدن الأنسان، وبالإمكان اختيار مشاعر أخرى بديلة بعد الاستعانة بالله ثم المهتمين في هذا المضمار، والذين بذلوا جهود استثنائية في انتشالنا من وحل الإحباط والأفكار الغير جيدة تدريجيا للأفكار التي تسهم في الواقع الذي نحلم بعد مسيرة تعليم وقراءة وتدريب ومصاحبة لأرباب هذا المجال.
علينا أن نجتهد كثيراً في معرفة اختيار أفكارنا وكيفية استثمارها لصالحنا حتى لا تطوقنا بحبل التشاؤم والسواد والضياع، فنكرر كلماتهم، نغرد بها، نرسمها ونغوص في وحلها، ليحكم النكد حينئذ قبضته بلا هوادة علينا.
للذين ترهقهم أنفسهم لم نخلق فقط لتعيش الحزن ونترك الحياة وجمالها والعافية والسعادة والبهجة ثم نكرر كالببغاء اننا غير محظوظين ولاتنسنصيبك من الدنيا " خلق الله الحياة لإعمارها من خلالنا، ولن يكون الإعمار إلا حينما نتخلى عن كل ما يكدر صفو حياتنا وننغمس في الجمال مسبحين له مثنيين على نعمه التي تترى على الأبدان والقلوب والأوطان، لك الحمد يالله سرمدا أبدا.
للذين ترهقهم أنفسهم تخلوا عن معتقداتكم لتعيشوا الحياة الجميلة كما تحلمون، والهوينة، الهوينة فيما تعاشرون وتجالسون، فالحياة الرحيبة في شوق لكل من أختار السعادة وقرر العيش بها للذين ترهقهم أنفسهم، الحياة حلوة، دمتم بخير وللخير.