لا يتوقف العالم أبداً عن التفكير إزاء الخطوات المهمة التالية التي يتعين علينا القيام بها في مجال الفضاء. ومنذ تدشين عصر سباق الفضاء، تمكنت البشرية من تجاوز قدراتها لتواصل الكشف عن المزيد من الإنجازات، واكتساب المعرفة، ومشاركة المزيد من المعلومات حول الكون والمجرات بشكل عام. وجاء الإطلاق الأخير لتلسكوب "جيمس ويب" الفضائي الذي تم إطلاقه مؤخراً ليكون بمثابة علامة فارقة أخرى للبشرية في رحلتنا لفهم المزيد عن الكون المجهولبحدوده اللامتناهية. وفضلاً عن ذلك، تمكنت البشرية من تحقيق هذا الإطلاق بفضل علاقة الشراكة الثابتة القائمة بين وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية.
الشراكات العنصر الأهم
إن هذه اللحظات التي تبرز قيم الوحدة والتعاون تعدّ بحقّ أهم ما يميز قطاع الفضاء، إذ لا يمكن النظر إلى هذا الإنجاز على أنه مجرد انتصار للعلماء والمهندسين والأشخاص الذين يقفون وراء هذا المشروع، ولكنه يمثل مصدر إلهام للعديد من الدول التي تمتلك مشاريع لريادة الفضاء والإسهام في تطوير القطاع. ليس هذا فحسب، بل إنه يعزز طموح الأجيال القادمة، وإفساح المجال لها لتترك بصمة في سجلات التاريخ العلمي.
إن مسؤولية مستقبل استكشاف الفضاء تقع على عاتق العديد من الأطراف ذات الصلة، بدءاً من وكالات الفضاء العالمية وحتى المشاركين الآخرين الصاعدين من القطاع الخاص وعامة الناس .. وهذا يعني أنه يجب على كل واحد منا أن يلعب دوراً في دفع تطور رحلات الفضاء العالمية إلى الأمام. ولا تتوقف فوائد هذه الجهود على تشجيع الابتكارات التكنولوجية وإلهام الناس فحسب، ولكنها ستقوم أيضاً على أسس منظومة متكاملة لتشجيع التعاون السلس، تضم الجهات العلمية والأوساط الأكاديمية والشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، فضلاً عن المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية.. وجهات أخرى.
رحلة الإمارات نحو استكشاف الفضاء
تعتبر الإمارات دولة ناشئة في مجال استكشاف الفضاء، لاسيما وأنها تحتفل باليوبيل الذهبي لاتحادها هذا العام. ومع ذلك، فقد تمكنت من تسجيل خطوات كبيرة في علوم الفضاء والاستكشاف، بل تمكنت من تجاوز الحدود لما يمكننا تحقيقه في هذا المجال. ومنذ بنائنا أول قمر صناعي في وقت مبكر من العام 2007، لم تستغرق سوى أقل من عقد ونصف بعد ذلك الإنجاز المتواضع لإرسال مهمة إلى المريخ، وهي أول مهمة لاستكشاف الكواكب على مستوى الوطن العربي. وتمكنت هذه المهمة بالفعل حتى الآن من جمع ما يزيد على 100 جيجابايت من البيانات حول أنماط الطقس والمناخ للكوكب الأحمر، كما يتم توفيرها للمجتمع العلمي من خلال مراكز البيانات التابعة لنا.
ولن نتوقف عند هذا الحد، ففي هذا العام، أعلنا أيضاً عن المهمة القمرية غير المأهولة لدولة الإمارات المخطط لها في العام 2024 لهبوط مركبة راشد على القمر، لتقوم بدراسة منطقة لم تستكشف من قبل. وستكون نتائج هذه المهمة على قدرٍ عالٍ من الأهمية لأغراض السفر إلى الفضاء في المستقبل، وتصميمبدلات وتطوير مركبات فضائية للمهام الهادفة لإرسال رحلات إلى الكواكبوالمشاريع المتعلقة باستكشافها.
وعلاوة على ذلك، نقوم الآن أيضاً ببناء فرقنا من رواد الفضاء، ونتطلع إلى إنشاء مستوطنة بشرية على المريخ في العام 2117. ويتجلى بوضوح أن مشاريعنا وطموحاتنا اليوم موجهة نحو رؤية المستقبل، وتلتزم الإمارات بالنهوض باستكشاف الفضاء، مع ضمان استدامته. ومن جهة أخرى، تتوافق هذه الاتفاقيات مع برامج الإمارات طويلة المدى لاستكشاف الفضاء الخارجي،وتعزيز التعاون على المستوى الدولي، بهدف التوصل إلى فهم أفضل لنظامنا الشمسي.
مستقبل قائم على التعاون
إننا نؤمن دائماً بقوة التعاون، ولم يكن من الممكن تحقيق منجزاتنا العلمية من دون التعاون مع شركائنا. وعلى سبيل المثال، سيكون القمر الاصطناعي MBZ-SAT، أحدث مشاريع الأقمار الاصطناعية لمركز محمد بن راشد للفضاء، والأكثر تقدماً في المنطقة في مجال صور الأقمار الاصطناعية عالية الدقة عند اكتماله، وسيلعب دوراً محورياً في دعم صناعة الفضاء المحلية، علماً أنه تم بناء 90% من الهيكل الميكانيكي و 50% من الوحدات الإلكترونية في دولة الإمارات. وإلى جانب ذلك، فقد توصلنا إلى علاقات شراكة مع وكالات وأوساط أكاديمية من جميع أنحاء العالم للتعاون في المهمة.
وعلى صعيد آخر، تتدرب الدفعة الثانية من برنامج الإمارات لرواد الفضاء حالياً مع مجموعة مرشحي ناسا لرواد الفضاء 2021، بينما يشارك رواد فضاء إماراتيون حالياً بمهمة الإمارات لمحاكاة الفضاء (المهمة رقم 1)، وذلك في إطار البحث العلمي الدولي في المحطة الأرضية الفريدة (سيريوس – 21)، في مشروع مدته 8 أشهر في العاصمة الروسية موسكو.
ويشجع مركز محمد بن راشد للفضاء التعاون الدائم مع المجتمع العلمي لمواصلة برامجه العلمية التي تهدف إلى استكشاف أحدث أنشطة البحث،وفرص تطبيق المخرجات في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وسيؤدي تعاوننا مع شركائنا إلى المزيد من التوسع والمرونة، والأهم من ذلك تقديم المعلومات الاستثنائية حول الفضاء والبحث والتكنولوجيا، ليعود نفع تلك الجهود على البشرية جمعاء.
وسيكون 2022 والأعوام اللاحقة أفضل بكثير للجهود والمشاريع اللاحقة بفضل إطلاق التلسكوب "جيمس ويب" الفضائي. إننا في دولة الإمارات نعي جيداً إيجابيات صناعة الفضاء، وكجزء من تنوعنا نعكف على الاستكشاف من أجل ترسيخ مكانتنا كدولة رائدة في هذا المجال في المنطقة العربية، إذ نعمل على تحقيق ذلك من خلال بعثاتنا وبرامجنا الفضائية. إننا كدولة لا نحتفل بالخمسين عاماً الماضية فحسب، بل نتطلع أيضاً نحو مستقبل من النمو والازدهار والوحدة في "الخمسين عاماً القادمة".