جميعنا يعرف الإخوان المسلمين، خصوصاً بعد صدور قرار بتصنيفهم كجماعة إرهابية، وبيان هيئة كبار العلماء في السعودية الذي أتى لتأييد هذا القرار الحكيم، تحييداً لشرّهم كونهم يسعون لتفريق الأمة وجعلها أحزاباً متفرقة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على جمع الكلمة والاصطفاف خلف ولاة الأمور وما في ذلك من خير عظيم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) الآية. سورة النساء.
ولكن ما أريد التطرق له في مقالي هذا، هو ما يسمى بالجامية، من هم وماهي حقيقتهم، وتضادهم مع الإخوان المسلمين الذين شيطنوهم وجعلوا منهم جماعة أو فرقة باتهامهم أنهم يمدحون ويبجلون ولاة الأمور...!
حقيقة الجامية ترجع للشيخ محمد أمان الجامي – رحمه الله - وهو عالم سلفي عاش في هذه البلاد، وقد أثنى عليه الشيخ العلامة صالح الفوزان وشهد له بأنه عالم سنّي سلفي، وكان له موقف إبّان غزو صدام حسين للكويت في حكم الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله - عندما انقلب التيار الإخواني على مفتي الديار السعودية آنذاك سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – واتهموه بأنه يطيع الإمام ويدعوا لطاعته وتحريم الخروج عليه، وهذه عادة الخوارج في كل زمان ومكان، يتحينون الفتن ويجيرونها للدعوة للخروج على ولاة أمور المسلين، فما كان من الشيخ محمد أمان الجامي إلا أن وقف ضدهم وأظهر النصوص الشرعية والأدلة القاطعة بتحريم الخروج على ولاة الأمور وتعرية منهجهم الضال، فاتهموه بأنه مداهن منافق، وأصبح يسمى كل وطني سنّي سلفي يدافع عن وطنه وإمامه ويعتقد حرمة الخروج عليه "جامي".
وبحكم قوتهم واعتلاءهم المنابر في تلك الحقبة تأثّر بهم البعض وصدقوهم بوجود فرقة وتنظيم اسمه "الجامية" والتحذير منهم لأنهم يدعون للسلطان ويبجلونه ويقولون بطاعته في المنشط والمكره، مع أن هذا ما دعت إليه الشريعة الإسلامية والآيات والأحاديث التي تحث على لزوم الجماعة وطاعة ولي الأمر، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه ( خمسٌ من فعل واحدة منهنّ كان ضامناً على الله: من عاد مريضاً، أو خرج غازياً، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فسلم الناس منه، وسلم من الناس) أخرجه أحمد في صحيح الجامع وهو حديث صحيح.
ولكن الإخوان أخفوا هذه الأحاديث عن الناس فلا يتحدثون بها في القنوات ولا في خطب الجمعة لكي يبعدون الناس عن ولاة أمورهم ويسهل عليهم إخراج الشباب لمواطن الصراع بدعوى "الجهاد" وبتكفير الحكام وأنهم لا يقيمون شرع الله، ومن اختلف معهم من العلماء اتهموه بأنه جامي، حتى أصبحت فزّاعة يخوفون بها الناس ويحذرونهم من العلماء الربانيين الصادقين الذين يدعون لجمع الكلمة ووحدة الصف ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم.
اليوم وبعد ثلاثة عقود تبين كذبهم، وما الربيع العربي المزعوم إلا ثمرة خبيثة مما كانوا يدعون له من حريات مزعومة وادعاءات كاذبة مسمومة، خلّفت الدمار وإراقة الدماء والفقر والجهل في جميع الدول التي تمكنوا فيها، انكشف كذبهم وافتراءهم خصوصاً في مملكتنا الغالية، وظهرت أهمية الاصطفاف مع ولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين في حفظنا من الفتن ولله الحمد والمنّة، فنحن نعيش في رغد عيش، وقيادتنا الرشيدة – حفظها الله – تدعوا للسنة وتقمع البدعة، فلا قبر يعبد من دون الله ولا ولي صالح يستغاث به، وتأتي الناس أفواجاً لأداء مناسك الحج والعمرة بكل يسر وسهولة وبتوحيد خالص، وما كان لهذا أن يكون إلا بمن اختارهم الله ليكونوا ملوكاً للسعودية، فأعز بهم الدين وحمى بهم الحرمين، ومكّن لهم في الأرض.