ترعرعت في بيئة جميله علمني فيها والدي ووالدتي رحمهما الله كيف أحترم الجميع وكان على رأس القائمة كبار السنٌ، ذات يوم وفي حضرة سيدي الوالد رحمه الله وبينما علمت أنا واخوتي بشجار دار بينه وبين أحدهم إشتطنا غضباً على ذلك الشخص وما دار منه تجاه والدي فبدأنا بالحديث عنه بحِدّة ولكن والدي لم يدع لنا فرصةً للحديث عنه بسوء ويعلم الله بأنه أمرنا بأن لا نتحدّث عنه إلا بكل خير ولا يجب علينا أن نُعاتب أو ننعت من يكبرنا بما لا يليق، فكان هذا الموقف بمثابة درس لنا جميعاً تتجلّى فيه أجمل القيم وأرقى المبادئ وأسمى المواقف التي حثنا ديننا الحنيف عليها.
من هذا الموقف تعددت الدروس وسأركز على أحدها وهو الأهم بالنسبة لموضوع هذا المقال وهو إحترام وتقدير من يكبرنا سناً، فقد تعلمنا جميعاً بأن ما أمرنا به والدنا رحمه الله من إحترامٍ وتقديرٍ لرجُلٍ دار ما دار بينهما من أمور الدنيا والذي كان فضّا معه إنما هو بمثابة تأصيل هذه الخصلة التي أمرنا بها ديننا الحنيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا فليس منا)، فمن باب أولى أن نُقدّر الصديق قبل العدو ممّن يكبُرُنا سناً حيث كُنّا لا نذكرهم وندعوهم بأسمائهم أو بألقابهم وإنما ندعوهم بوالدي فُلان(.....) إلى يومنا الحاضر.
قبل فترة ليست بالطويلة رأيت مقطعاً لحفلٍ مقُام بمناسبة زواج شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرون من العمر، وقد إعتدنا أثناء إقبال الضيوف أن يقوم بالرد عليهم والترحيب بهم شيخ القبيلة أو من ينوب عنه من كبار السنّ، ولكن في هذا الزواج أذهلني قيام العريس بالرد والترحيب بنفسه بحضور شيخ القبيلة وأعيانهم ووالده الذي كان بجانبه وذلك لأنه أصبح ذا قيمة في مجتمعه كونه مشهوراً في إحدى وسائل التواصل الإجتماعي ضارباً بعرض الحائط قيم وشيم وعادات الآباء والأجداد والتي يسبقها تعاليم ديننا الذي حثنا وأمرنا بإحترم الكبير وتقديمه في القول والفعل، هنا لزاماً علينا أن نعي بأنه وجب أن نعلم بأن الدنيا زائله وأننا كما زرعنا سنحصد وأننا كما خُلقنا من ضعف فإننا سنعود بضعفٍ وشيبه قال تعالى :( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً).
قال أحد الشعراء:
رأيت العمر أوهاماً تناجزنا فتخفي سرها الأيام والعُصُرُ
ولنا في قادتنا وملوكنا أطال الله في أعمار الحي وغفر للميت منهم الأسوة الحسنه حيث أن صغيرهم يوقر الكبير من الأسرة أو من خارجها، فحينما نرى مولاي خادم الحرمين الشريفين وتعامله مع إخوته الكبار والعلماء وكبار السنّ والذي أصّله في أبناءه كما تأصّل في كامل الأسرة الحاكمة منذ عهد المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيّب الله ثراه وسار على نهجه أبناءه البرره، كيف لا وسيدي ولي العهد حفظه الله ورعاه خير مثال يُحتذى به في تعامله مع إخوته ومن يكبره سِنّاً حيث كان يعاملهم بفائق الإحترام والتقدير وينزل كُلٌ في منزلته بتواضعٍ جمّ وبرُقيٍّ مترجم بطله عراب رؤية ٢٠٣٠ أمدّ الله في عمره، والدليل على ذلك محبّة الشعب صغيراً وكبيراً ذكراً وأنثى لقيادتنا الحكيمة وولائهم الكامل لملكنا وولي عهده وإلتفافهم حولهم في السرّاء والضرّاء.
إعلم أخي القارئ بأن الأشجار الكبيرة هي التي نستظل بظلّها وهي من تُعطى الثمار الطيبة، كَذا هم كبار السن فبتجاربهم وإنجازاتهم وخوضهم لمعتركات الحياة إكتسبوا كمّاً كبيراً من المعرفة والخبرة والقدر، فاستقِ من أنهار معرفتهم وتعلّم منهم وقدّرهم وإرفِق بهم وبضعفهم وعزز مكانتهم وهيبتهم ولا تُلغي دورهم في الحياة فكما تُدين تُدان