تركي عبدالله السديري
ليس سراً أن أزمة الإسكان بسبب أسعار العقار كانت مشكلة ذات خصوصية يشكو منها الجميع من المواطنين.. كنت أرى ذلك بوضوح في بريد القراء وطرح جميع الكتّاب والصحفيين كمشكلة اقتصادية واجتماعية تمس المملكة وتؤثر على تنميتها.. بل لم يكن أغلب الحديث الذي أسمعه من الأصدقاء والزملاء سوى الهم من أسعار العقار وتأمين سكن كريم لأبنائهم.. وأنا كأب أتفهم ذلك جيداً ويقلقني على تنمية المملكة..
اذهب إلى السوق وقيّم نفقاتك الشهرية تجد غلاء الأسعار نسبياً ومقبولاً إلى حد ما، لكن أسعار العقار وتسارعها كانت ملحوظة ومقلقة للمواطن.. وكان الجميع ينتظر قراراً تنظيمياً ملموساً؛ حتى فاجأ الجميع الملك والأب سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في يومه الستين منذ توليه مقاليد الحكم باتخاذ قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، وما شمل ذلك من قرارات إصلاحية بربط صناديق التنمية بجهات اختصاصها، مثلما قرر من ربط الصندوق الزراعي مع وزارة الزراعة، والصندوق الصناعي مع وزارة الصناعة، لينشر التفاؤل حول إصلاح هذا السوق الذي يحرم بأسعاره الكثيرين، ويؤكد للجميع أن استمرار مسيرة التنمية في المملكة ليست نية فقط؛ بل هي مشروع حقيقي وجاد برغم انخفاض أسعار البترول والقلاقل الجيوسياسية المحيطة..
إن سلمان بن عبدالعزيز في مسيرة أيام وكأنه يسابق الوقت بخصوصية استثنائية، ويتحدى الظروف في سرعة مسيرة إصلاحاته منذ أن أعاد الترتيب الإداري لمؤسسات الدولة بعد أيام من توليه الحكم، ثم تواصله - حفظه الله - بخطوات جزلة وحكيمة بقدرات اقتصادية مع العالم الصناعي، وما رأيناه من مفاوضات جادة مع الوفد الألماني والاتفاق النووي التاريخي مع كوريا الجنوبية إلى اتخاذه هذه القرارات الأخيرة..
كل هذه المشاريع والقرارات التنموية - والتي تصب في صالح المواطن - تحمل رسالة ومعنى.. المعنى هو أن التنمية هي الهدف الذي نسعى دوماً إليه، وألا نجعل أسعار البترول حجة لتوقفها بل مبرر للاستمرار في العمل، والمضي في البحث عن مصادر دخل أخرى.. ذلك بأن التنمية ليست مشاريع مكلفة بقدر ما هي أفكار هادفة تعكس قيماً فاضلة لنهضة الإنسان بالعلم والمعرفة وسط بيئة تنمو اقتصادياً بفضل أنظمة وقوانين هي كل يوم في تطوّر وتغيّر لمراعاة الجديد والحديث.. التنمية ليست فقط مباني وشوارع..
أما الرسالة فإن خادم الحرمين يثبت بأنه أب قريب من الآباء ويشعر بهمّهم، والأبناء الذين يرون في أسعار المساكن حرماناً لهم، وأنه ماضٍ، كما قال - حفظه الله - في كلمته منذ أكثر من أسبوعين، في مشروع تنموي لا توقفه الصعوبات في التعليم والصحة وخلْق فرص عمل تلبّي طموح الشباب والشابات.. وهذا ما يجعل الشاهد على هذه الأحداث يرى خادم الحرمين رجل التنمية القادر في زمن التحديات..
لمراسلة الكاتب: turki@alriyadh.net